ملاك مكي- السفير
كأن المراصد الفضائيّة بالأشعة تحت الحمراء هي يد تلامس حرارة النجوم والكون» يقول المدير التنفيذي لـ«مركز المعالجة بالأشعة تحت الحمراء وتحليلالبيانات Ipac في وكالة الفضاء الأميركيّة «ناسا»، البروفسور جورج الحلو في حديث لـ" السفير" خلال زيارته لبنان بدعوة من « ديوان أهل القلم».
تدهش العبارة من يسير على الأرض وتلامس يده حرارة الأشياء والأجساد من دون أن يفكّر يوما بحرارة النجوم والكون، أو بالأشعة ما تحت الحمراء، والمراصد التي تراقب وتلتقط حركة الكون، فيبدأ التساؤل عن ماهيّة تلك الأشعة، وسبل استخداماتها العلميّة والفلكيّة، وعن ما يدور خارج الأرض وإيقاعاتها.
تعتبر الأشعة تحت الحمراء إشعاعا كهرومغناطيسي، طول موجته أطول من الضوء المرئي، وأقصر من الموجات الصغريّة وبحسب الحلو، تسمح المراصد الفضائيّة بالأشعة تحت الحمراء بدراسة خصائص الكواكب والنجوم في الكون حيث تخترق الأشعة تحت الحمراء، على عكس الضوء المرئي، الغبار والغازات التي تحجب النجوم.
ويذكر الحلو أن الأشعة تحت الحمراء سمحت حتى اليوم بالكـــشف عن كواكـــب تدور حول نجوم غير الشمس، وبأن دراسة خصائص تلـــك الكواكب من حرارة وبخار الميـــاه والرياح تساهـــم في فهم كوكب الأرض ومستقبله وتأثّره بالشمس.
ويلفت الحلو إلى أن تطبيقات الأشعة تحت الحمراء لا تنحصر في علوم الفضاء فحسب، فالتصوير بالأشعة تحت الحمراء يساعد رجال الإنقاذ في إيجــــاد الأشخاص العالقين في الحرائق أو في الثلج، كما من الممكن استخدام تلك الأشعة في الميادين الطبيّة لمعرفة تدفق الدم في الجسم وتحديد الأعضاء التي لا تتلقى الترويّة الكافيّة.
ويحاول الحلو في إطار دراساته العلميّة المرتكزة على المعالجة بالأشعة تحت الحمراء، البحث عن تاريخ المجرّات وخصائصها، وكيفية تكوينها وكيفيّة تحوّل الغازات إلى نجوم، وتفسير الفوارق في سرعة تكوين المجرّات.
وبما أن جميع الذرّات الكيميائيّة (ما عدا الهيدروجين والهيليوم) نتجت عن عمليّة تكوين النجوم، يؤكّد الحلو أن معرفة نشوء النجوم وتكوينها يفسّر لنا تاريخ البشر وكيف ومن من أين جئنا ما يحاكي حشرية الإنسان منذ الأزل في معرفة ما هو موقعه في هذا الكون.
ولسبر أغوار الكون، تنفق الكثير من الأموال والميزانيّات لتطوير سبل الكشف اإلتقاط الموجات والإشعاعات، يتساءل المرء عن الفائدة المرجوة من فك ألغاز الفضاء بينما يموت الملايين من الأشخاص على الأرض عوزا وفقرا وجوعا.
يجيب الحلو بأن ميزانيّة وكـــالة الفضاء الأميركيّة تبلغ 0،5 في المئـــة من ميزانيّة الولايـــات المتحدّة، وبأن المبالغ المستثمرة في علــوم الفضاء لا تحلّ مشاكل الجوع والعوز على الأرض.
وبحسب الحلو، تهدف الرحلات الفضائيّة لروّاد الفضاء إلى فكّ طلاسم الفضاء توظيف ما يتعلمونه لخدمة الإنسان على الأرض.
وعلى سبيل المثـــال، من الممـــكن أن تسمـــح الأبحاث في الفضاء بمعــرفة سبل حمـــاية الأرض من الكويكبات إن ضربت الأرض في المستقبل.
ويشرح الحلو أن الأبحاث التي تجري في إطار علوم الفضاء تهدف إلى التعمّق في الميادين العلميّة الأساسيّة كالكيمياء وعلوم الحياة والفيزياء، وإن كانت تلك الأبحاث لا تطرح حلولا أو تطبيقات آنيّة فإنها تشكّل فائدة علميّة وإنسانيّة على المدى البعيد.
وعلى سبيل المثال، يذكر الحلو بأنه في العام 1609، بدافع من الحشريّة العلميّة، استخدم عالم الفلك جاليليو غاليلي ( 1564-1642) المنظار لمراقبة الكواكب والنظام الشمسي، مما غيّر في فهمنا للنظام الشمسي وما ساعد اليوم في وضع الكثير من التطبيقات في وسائل الإتّصالات والأقمار الصناعيّة.
وعلى المدى البعيد، يشير الحلو الى أن محاولة «ناسا» البحث عن آثار حيـــاة ميكروبيّة على كوكب المريخ ومعـــرفة إن كانت حـــياة ما قامت على ذلك الكوكب في الماضي، ومساعي إيجـــاد التفسيرات العلميّة لعدم وجود غـــلاف جوّي للمريخ، ولإختفاء المياه الجاريّة على هذا الكوكــب، تساهم في فهم كوكب الأرض بشكل أعــمق وأوضح.
وخلافا للمعتــــقدات السائدة عن عدم اهتمام المجتمع اللبناني بعلم الفلك والفضاء، يشدّد الحلو على أن الجامعات اللبنـــانيّة تــــضمّ الكثير من الأساتذة المرموقين في علوم الفضاء وأن الكثــــير من الطلاب اللبنانيين يتابعون دراساتهم في هــذا الاختصاص، ومنهم من يتابع دراساته العليا في الخارج ما يؤكد اهتمام الأشخاص في لبنان بعلوم الفلك وأسراره.